Monday, September 5, 2011

ففروا من الحكم ونزلوا


مع نهاية العام الماضي كانت دولة الظلم تتهيأ للأفول، بعد أن استجمعت أسباب زوال الملك وموجبات نزع الحكم، فقد نفذ الفساد إليها من كل جانب وتباهى المفسدون به ولم يتواروا منه، ونخر الظلم في عمدها، وسعى الاستبداد في تقويض أركانها، وظن القائمون على الأمر أنهم قادرون عليها، وأنهم قد أحاطوا بكل شيء علمًا وأحكموا قبضتهم على البلاد والعباد، فلا صوت إلا صوتهم. ولا كلمة إلا كلمتهم، يتصدرون المشهد، فيأمرون بالباطل وينهون عن الحق، والخلق من ورائهم سمعًا وطاعة. فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب، ففروا من الحكم ونزلوا – راغمين – عنه، وكانوا من قبل أحرص الناس عليه، يستصغرون كل كبيرة ويستهينون بكل جريمة من أجل البقاء فيه والحفاظ عليه.

جاء يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي، فظن هؤلاء أنه يوم كأي يوم، سيمر كما مر غيره وستغرب شمسه كما غربت شموس الأيام السالفة، وسيمضي ليله ككل ليل والمصريون يغطون في سُّبات عميق.. ولكن المصريين الذين استيقظوا في هذا اليوم أبوا أن يخلدوا إلى الراحة وعقدوا العزم على أن يبقوا يقظين حتى يقضوا مضجع الظالم ويرفعوا عن كاهلهم ظلمه ويجعلوه بين أقدامهم.. فخرجت جموع الشباب المصري في هذا اليوم من كل مكان قاصدين ميدان التحرير، الذي أصبح فيما بعد قبلة كل المصريين، وما إن وصلوا إليه حتى احتضنوه واستمسكوا به ورجوه في اعتصامهم به أن يحقق حلمهم البسيط في الحياة العزيزة، فأبى عليهم النظام ذلك واستعان بالآلة الأمنية التي اعتمد عليها طيلة عهده في التمكين، فاستعملت القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والمياه لتفريق المتظاهرين.

فأصابتهم واعتقلت بعضهم ونجحت في تفريق المتظاهرين وحملهم على الفرار.. ولكن هؤلاء الأبطال ما فروا إلا ليكروا، فقد دعوا لمظاهرة كبيرة في جمعة أطلقوا عليها "جمعة الغضب".

وجاءت جمعة الغضب فكانت بركانا من الغضب، خرج فيها الملايين في معظم المحافظات للثورة على الظلم والقهر والاستبداد مطالبين بإسقاط النظام لينعموا بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي حرمهم – عن عمد – منها، فاشتاط النظام غضبًا واستدعى الآلة البوليسية مرة أخرى، فراحت هذه الآلهة تحصد خيرة شباب مصر، قتلاً وإصابة واعتقالاً، عن طريق قوات الأمن المركزي والقناصة الذين عهد إليهم بتصفية أشجع وأجرأ شباب الثورة، لحمل الباقين على الفرار والكف عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة، ولكن المصريين كانوا – بعد أن جردهم النظام من كل ما يرعبهم في الحياة – أحرص على الموت من حرص قاتليهم على الحياة.. ففتحوا صدورهم للموت وأقبلوا عليه وكأنهم يسعون إلى الموت ولا يسعى إليهم، فمنهم من أصابه فلقى ربه شهيدًا و منهم من أخطأه فعاش عزيزًا يجني ثمرة نصره.

وفي خمس ساعات فقط كانت دولة الظلم تتهاوى أمام صرخات الحق، وكانت جذبات النظام الفاسد تتصدع تحت وطأة احتجاجات الجماهير الغاضبة، وبدا في هذه الأقوات مدى ضعف وهشاشة النظام الذي يعتمد على آلة البوليس ويستهين برضاء الشعب، وهنا نزل الجيش، الذي أعلن منذ اللحظة الأولى أنه ملك للشعب يحمي مطالبه المشروعة، يلملم ما تبقى من الدولة ليحفظها سالمة للشعب، صاحب الحق الأصيل، ومازال الجيش حاميًا للثورة وحارسًا لها، رابطًا على حمى مصر. يتحمل من أجلها كل المشاق لحماية الجبهتين الداخلية والخارجية.

وبعد فهذا وجيز لما جرى على أرض مصر في نهاية عهد المتهم الأول في الجناية الماثلة/ محمد حسني السيد مبارك، عندما تحالفت السلطة التي أمسك بزمامها مع الثورة التي تطلع إليها وتواطأتا على إهدار حقوق الشعب وسلب ممتلكاته والاستهانة بإرادته واحتقاره.. عندما استخف هذا الحاكم المستبد بحقوق الشعب وبحدود الله، فأطاعه الشعب إلى حين ثم ثار عليه، واستدرجه الله عز وجل من حيث لا يعلم ثم قضى على ظلمه ونزع حكمه.